أنقذوا المحكمة الجنائية الدولية وسيادة القانون

 

تشير مصادر موثوقة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تخطط لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية كمؤسسة في

 الأسابيع المقبلة. ويأتي ذلك في أعقاب سلسلة من الإجراءات التي استهدفت في البداية المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ونائبيه والقضاة والمنظمات غير الحكومية الفلسطينية، وكذلك المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. حان الوقت الآن للدول والمجتمع المدني والأكاديميين والصحفيين وجميع الملتزمين بالعدالة الدولية وسيادة القانون أن يبذلوا كل ما في وسعهم للدفاع عن المحكمة والمنظمات التي تدعم عملها

 

٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥.

 يدعو المجتمع المدني من جميع أنحاء العالم الدول الأطراف في نظام روما الأساسي إلى بذل كل ما في وسعها لوقف العقوبات الأميركية المقترحة ضد المحكمة الجنائية الدولية، وهي مؤسسة قضائية مستقلة مكلفة بمواجهة الإفلات من العقاب على أبشع الجرائم التي عرفتها البشرية. إن العقوبات ضد المحكمة الجنائية الدولية، التي تفرضها دولة غير طرف في النظام الأساسي من جانب واحد، تشكل هجوماً شاملاً على محكمة عالمية تدعمها ١٢٥ دولة طرفاً ويعتمد عليها المجتمع الدولي لضمان المساءلة عن الجرائم الفظيعة. وقد تؤدي هذه العقوبات إلى التخلي عن عدد لا يحصى من الضحايا من خلال عرقلة الملجأ الأخير للعدالة، وتسليح النظام المالي العالمي لخنق عمل المحكمة، وترسيخ المعايير المزدوجة حيث تحدد القوة والسياسة من هم الناجون الذين يستحقون العدالة.

 

قد يشكل فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية نقطة تحول خطيرة في تاريخ العدالة الدولية، حيث يتحول نظام مصمم لمحاسبة الأقوياء على الجرائم الفظيعة إلى نظام يحميهم. وهذا يعني التراجع عن التقدّم الذي تحقق بصعوبة نحو نظام قائم على القواعد، والعودة إلى عالم تنتصر فيه القوة على الحق. وهو ما يعرّض نظام العدالة الدولية، الذي بُني على مدى عقود، لخطر الانهيار تحت وطأة الضغوط الخارجية التي تُمارَس للتأثير بشكل غير مشروع على مسار العدالة.ما يمثل إهانة لسيادة القانون ينطوي على عواقب خطيرة على العدالة في كل مكان: فإذا كان من الممكن تعطيل عمل المحكمة الجنائية الدولية عبر الإكراه المالي، فلن تكون أي محكمة أو آلية للمساءلة في مأمن، في أي بلد أو منطقة.

 

قد يؤدي فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية كمؤسسة إلى تعطيل قدرتها على العمل، بما في ذلك حصولها على التمويل من البنوك والدول، ومنعها من الحصول على الخدمات الأساسية اللازمة لاستمرار عملها. تضمن سيطرة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي أن تأثير التهديدات بفرض عقوبات يتجاوز واشنطن، حيث غالباً ما تبالغ البنوك وشركات التأمين ومقدمي الخدمات غير الأمريكيين في الامتثال خوفاً من التعرض للعقوبات، مما يؤدي إلى منع حتى المعاملات الأساسية. وبدون التمويل المالي، تخاطر المحكمة بعدم قدرتها على الاستمرار في العمل، ودفع رواتب الموظفين، وحماية البيانات، وحماية الشهود الذين يدعمون عملها، ودفع المساعدة القانونية للضحايا والمتهمين، وتقديم التعويضات للضحايا. وهذا يهدد الوظائف الأساسية للمحكمة، بما في ذلك احتجاز المشتبه بهم. وقد تضيع المكاسب التي تحققت بصعوبة، مثل الاعتقال والتسليم الأخيرين للرئيس الفلبيني السابق رودريغو دوتيرتي واعتقال ألمانيا للمشتبه به الليبي خالد محمد علي الهشري. وقد تتعطل التحقيقات الجارية في جرائم دولية مزعومة في حالات أخرى أو يتم التخلي عنها إلى أجل غير مسمى، مما يترك الضحايا غير قادرين على الوصول إلى العدالة في جميع أنحاء العالم.

 

إذا أدت العقوبات إلى تعطيل عمل المحكمة، فستكون نقطة اللاعودة. سنفقد إلى الأبد واحدة من أهم مؤسسات القرن الماضي، ولا يمكن للمجتمع الدولي السماح بحدوث ذلك.

 

ندعو الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية إلى حماية المحكمة الجنائية الدولية وسيادة القانون بشكل عاجل عبر:

– الرفض العلني والحازم للعقوبات المفروضة على المحكمة الجنائية الدولية كمؤسسة، وموظفيها ومسؤوليها، والمنظمات والأفراد الذين يدعمون عملها.

 تعاون ثنائي مع الإدارة الأمريكية لمنع فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية كمؤسسة، وموظفيها ومسؤوليها، والمنظمات والأفراد الذين يدعمون عملها.

– اعتماد تدابير حظر محلية وإقليمية، بما في ذلك إنفاذ قانون الحظر الصادر عن الاتحاد الأوروبي (لائحة المجلس (EC) رقم 2271/96)، لإظهار التضامن وحماية الأفراد والكيانات من تأثير العقوبات وحماية الشركات داخل أراضيها حتى تتمكن من مواصلة العمل مع المحكمة الجنائية الدولية وموظفيها ومسؤوليها والمجتمع المدني الداعم للمحكمة. 

– حماية مقدمي الخدمات من خلال ضمان أن تقديم الخدمات للمحكمة الجنائية الدولية والمنظمات التي تدعم عملها أمر قانوني ومحمي.

– تطوير بدائل عملية لشبكة المعاملات المصرفية بالدولار الأمريكي التي يتم تصفية معاملاتها من خلال النظام المالي الأمريكي، حتى تتمكن المحكمة وداعميها من الاستمرار في تمويل عملهم الأساسي.

– تقديم التوجيه ووضع ضمانات قانونية لمنع البنوك ومقدمي الخدمات غير الأمريكيين من الإفراط في الامتثال لتهديدات العقوبات الأمريكية.

– الوفاء بالتزاماتهم القانونية بموجب نظام روما الأساسي، بما في ذلك المساهمات المالية في الميزانية السنوية للمحكمة، والدعم السياسي القوي للمحكمة.  ولا سيما في ما يتعلق بالقبض على المشتبه بهم وتسليمهم، ومقاومة أي ضغوط تهدف إلى دفعهم للانسحاب استجابةً للعقوبات.

 

ندعو منظمات المجتمع المدني الراغبة في التوقيع على هذا البيان إلى القيام بذلك هنا 

انقر هنا للاطلاع على القائمة الكاملة للموقعين المعتمدين

Photo: Oliver de la Haye (iStock)